إمتنعت طويلا عن كتابة هذه السطور، تحاشيت الخوض الإعلامي في ما بين سطور مقتضيات دفاتر الخلفي لقناة العيون، وددت لو يتطرق غيري من الغيورين والغيورات على مشروع إصلاح الاعلام العمومي للوصفة "العادمة" التي زفها الخلفي لجمهور قناة العيون الجهوية، لم أحبذ يوما الحديث بروح الكيطوهات والانتماءات العرقية ؛ آمنت دائما أن القناعات لا تستسلم لمسقط الرأس وأن المبادئ لا تمليها ملامح القبائل، وأن الحقوق لا تقبل التفييئ ولا التجزيئ ولا التكييف ؛ولا تخضع للتقطيع الترابي ،تمنيت أن أتحدث عن الديمقراطية الهوياتية وعن حقنا المتساوي في العدالة الثقافية والإنصاف اللسني والخدمة العمومية في الإعلام السمعي البصري، وكل الكلام الجميل المتعلق بتجذير ثقافة الحقوق والحريات بعيدا عن العنوان العرقي وفصيلة الدم ولون البشرة.
ويؤسفني انني انتظرت طويلا أن يغيثني فاعل خير أو فاعل ديمقراطية ينبه الرأي العام الوطني الى قصر نظر دفاتر الخلفي في تناوله للرسالة الإعلامية الموجهة للأقاليم الصحراوية ، ومحدودية الحمولة الإعلامية التي تقدمها حكومة "سياسية" مسؤولة عن تفعيل الدستور؛ لا ترى في قناة الجنوب إلا بضعة ساعات من البث تشحن بأي شيء ؛في مقاربة تحسبية تكرس النزعة الأمنية المتوجسة.
أستسمحكم إذن في أن أتحدث عني نيابة عن كل المتتبعين وان ألتمس كل الأعذار لخرس وطني متواطئ متوافق بشأنه ،صامت مستسلم ؛ وعن تماه محزن مع الوصفات المعلبة وعن بخل الأقلام والآراء في هذا الشأن ، وعن تخاذل المثقفين والسياسيين والباحثين والناقدين ومجافاتهم التحليل كلما تعلق الأمر بشأن داخلي يعني الأقاليم الصحراوية غير حديث الديبلوماسية والتقارير الأممية وروس الممل ومسلسل المفاوضات .
تصور إذن نفسك مواطنا ينتمي الى الصحراء، صحراوي استسلم لقدره المتربص في الشبكة الهرتزية والتقط تردد قناة العيون كما طبخها وزير الاتصال زير دفتر التحملات .
التسمية :
أنت ، عفوا ...كيف أقول ؟!لا تملك حضارة بل جغرافية ، وأنا في دفاتر تحملا تي ارتأيت لك اسما يحترم تضاريس منطقتك ويستحضر الطريق الوطنية رقم 1، وكل الرحلات الجوية والبحرية والكريمات وخطوط السير؛ ولم أجد في كل ما يقوله الدستور عن الرافد الصحراوي الحساني وعن تعزيز مقومات الهوية الوطنية ما اقتبسه عنوانا لوجهتك الإعلامية والثقافية، فاقترحت لثقافتك الصحراوية الحسانية اسما سهلا لطيفا سياحيا تقنيا "جيبسيا GPSوهو إذاعة العيون –الداخلة .سيسهل عليك معه تحديد وجهتك ، اقتبست اسم القناة التي تخاطبك من مواهبك في تحديد وجهتك بالطبيعة واتجاه الشمس. فأنت بالنسبة لي جغرافية عزيزة ليس إلا ومناخ وتضاريس ومساحة في الخريطة، واجهة فلكلورية مسلية ومؤثرة، ظاهرة جميلة بهية تروي تنوع مشهدنا الإعلامي الظمئ، وتحفظ ماء وجه دفوعاتي دوليا وقضية أرض وطبيعة مختلفة .وجدت في الاسم الذي اقترحته أحسن تعبير عن حضارتك وهويتك وكل الشعر والنثر وثقافة الحرب والحب غير الموثقة لمن تكون أنت !!!!!
قدم لنا السيد وزير الاتصال أوراقا قاسية وتصورات مجحفة تفصح عن ما تفصح عنه، بدءا من التسمية المرة الاستئصالية؛ فأسمى قناة الصحراء قناة العيون الداخلة، في وضع استثناء حصري لم يستحضره بالنسبة لتسمية القنوات الأخرى، فهل يراد للقناة أن تخاطب هاتين الجهتين دونا عن جهات الصحراء الأخرى، أم يراد لها تأطير القاطنين في هاتين الجهتين دون غيرهم أم يريد أن يدلي بدلوه في مسلسل تحديد هوية جديد لأهل الصحراء أو يكتب أوراق ثبوتية محينة لمن يكون الصحراوي ؛ألا يذكر أن السلطات المسؤولة عن تدبير ملف الاستفتاء في التسعينات القريبة؛ جالت كل مناطق المغرب تحث أفراد القبائل الصحراوية المتناثرة من أجل التعبئة لعملية تحديد هويتهم بعيدا عن الحدود الجغرافية؛ ألم يستند الخطاب الرسمي في طرحه على هوية لا على جغرافية وتضاريس؟ كيف يلغي تأصيلا دستوريا لاسم الثقافة الصحراوية الحسانية ، ويعوضه باسم طوبوغرافي جغرافي.
فمتى انتصر صوت الجغرافية على صوت الحضارة، وماذا كان يدبر الوزير المصلح حين رغب عن تسميات أخرى من قبيل، قناة الصحراء. أو قناة الحسانية؛ فالوزير يفضل استعمال الوصف الجغرافي مرة أخرى على المعطى الحضاري؛ وتجده يحبذ استعمال المناطق الجنوبية عوض الصحراوية إلى آخره، لماذا هذه المقاربة، لماذا يتلعثم المتحدث الرسمي باسم الحكومة في حروف اسم الصحراء ،تراه يظنه تعبيرا غير وحدوي أو غير دستوري ؟ أم تراه يربطه بقضية الصحراء؟ ويعتبر الحديث فيه نزعة انفصالية أم لعله يظن أنه صنع حصريا من أجل المرافعات الإجماعية حول قضية الصحراء أو الدفوعات الديبلوماسية في الملتقيات الدولية. ماذا سيقول في تلبسه باستهداف دفاتره لحق أجيال من الصحراويات والصحراويين في تطوير حضارتهم وثقافتهم و مقومات هويتهم انطلاقا من وجهتهم الإعلامية المفترضة، وأين ستشق جيبها الهوية الصحراوية الحسانية بعد مباشرة الحكومة لعملية تصفية هوياتية وحضارية.
البرامج الحوارية :
أحيلكم على المواد المتعلقة بمضامين البرامج الحوارية في القنوات الثلاث الوطنية : الأولى: المادة 27 ؛الثانية وتمازيغت؛48 ، كلها تعكس الرؤية الإصلاحية التي تعتمد التأطير وتقديم المعلومة وتضمن التنوع والاختلاف ،وتؤكد في فقرة مكررة في نفس الصياغة على برامج شهرية حول مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة و.....و هيئات حقوق الإنسان.
الخلفي أسقط هذه الفقرة من تصوره للحوار الذي يوجه للصحراويين عبر قناتهم ؛فكأنك به يتحاشى التنصيص على أهمية تضمن الحوارات الجهوية لكل ما يتعلق بهيئات و مؤسسات حماية الحقوق والحريات وحقوق الانسان؛ لم يجد المتتبعون والمتتبعات تبريرا واحد يصمد أمام هول استبداد و خفوت جرأة المصلح الشاب ، استحضرنا حسن النوايا وكل ما استطعناه من آيات الترفع والموضوعية والثقة إلا أنني وبصدق لم أجد سببا واحدا يدفع الوزير الى زلة قاتلة في حق صدقيته وايمانه بالديمقراطية وبحقوق الانسان وبالحريات ؛ كل القراءات تهاوت أمام تواطئ حكومته- الذي باركته الهاكا للأسف -على حق الجميع في نفس التأطير والتحسيس والتحصين وعلى انتمائنا لوطن الحقوق لنا جميعا.
لماذا لا يريد الخلفي أن يتابع المواطنون في الصحراء حوارات تعنى بحقوق الانسان؛ ألا يعي أنه يهدم صرح أهم منجز حقيقي في هذه المناطق والمتعلق بانشاء المجالس الجهوية لحقوق الانسان والذي حفظ ماء وجه التقرير الوطني لحقوق الانسان المقدم في جنيف؛ وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء؛ ألا يفهم أن سياسة النعامة المكشوفة هذه تستنفر تساؤلات كثيرة ؛ ماذا يريد أن يحقق من إخراس صوت الحرية وحقوق الانسان في قناة الصحراء؟ ؛ ما الذي يخشاه من تطرق مواطنين معينين من الخوض في انتهاكات محتملة في حقهم؟ ؛هل يحاول أن يقدم ضمانات التعتيم الاعلامي لتجاوزات قائمة أو أخرى محتملة؟ ،وهل نستطيع أن نثق بعد اليوم في خطابات حكومة ، وهيأة حكامة إعلامية انتقائية ؛ ملتبسة ؛ تمييزية ؛ وهل دستور الحريات والحقوق ومناهضة كل أشكال التمييز حصري في تفعيله على بعض المغاربة؟؟؟ وأي إصلاح يمكن أن نتوخى من مسؤولين لم يستوعبوا أولى أبجديات الاصلاح المتمثلة في تماسك القناعات وعدم قابليتها للتفييئ!!وحق الجميع في دولة الحق والقانون !!!!
ودائما في البرامج الحوارية ، ترى الحكومة في دفاتر التحملات أن تاريخ الصحراء ابتدأ مع مقاومة المستعمر الاسباني وأن الصحراوي كان في وضع بيات مزمن قبل أن تطأ القدم الإيبيرية أرضه ، وأن ما قبل مقدم الجار الشمالي ليس تاريخا كتبه سكان الصحراء ، وأن أيامهم قبل استعمارهم كانت بياضا لا يكتب ولا يحفظ ولا يشكل تاريخا؛ وأنهم كائنات نمت على هامش الإدارة الإستعمارية ؛أما هذه فلا ألوم فيها وزير الاتصال ولا الهاكا ؛ إلا أن العتب كل العتب على مفكرين ومؤرخين نصبوا العداء لتاريخ الصحراء؛ ولخصوه في بعض المواقع ضد المستعمر وتحاشوا دراسته أو حتى الخوض فيه ؛ اعتبروا تناوله بالدراسة العلمية خطر محدقا ولعبا بالنار وخطوطا حمراء وسوداء ومساسا بالثوابت ؛ ولم تتنبئ قريحتهم أن عدالة الانسانية ستحمي بمؤرخ إلكتروني يدعى مكتبة غوغل تاريخا مشرفا كبيرا يعتد برصانته وأهميته وقوته وستكتب رغم المغالطات والدسائس والمصالح لحظات عميقة ودالة في تاريخ المنطقة ،قبائلها وثقافتها وموازين القوى فيها، ونوعية علاقتها بالسلطة المركزية.
حزنت لأن الحكومة وكل المغاربة لا يعرفون أن المجاهدين في الصحراء -كما نحب أن نطلق عليهم - مخضرمون ؛ وأن الندبات فوق أجسادهم حفرها الإسبان والفرنسيون أيضاً وأنهم خاضوا في موقعة "ايكوفيون" يوما ملحميا كيوم أنوال الكبير ، وأنهم جابوا الصحراء من عقر موريتانيا في ملحمة أم التونسي الى بابها الشمالي في واد نون في موقعة تالوين وأم العشار مرورا بالكلات وواد ايشياف والدشيرة و....اسألوا قصائد النثر والشعر و دموع الثكالى وليالي الرهبة والخشوع وخطوط الترقب في الرمال الصامتة.
ماذا سنقول لقبور شهداء معارك الصحراويين ضد الفرنسيين، كيف نجيب عن أسئلة جحود الخلف، وكيف نضمد نية التمثيل بشهداء الأرض والدين والحرية والمجد؛ وكيف نطفئ وجع التنكر لبذل رجالات أكبر من الوصف والمدح.
قدم الخلفي عبر دفاتر التحملات كنانيش محظورات رص فيها كثيرا من معابر التفتيش للرسالة الإعلامية الموجهة للمناطق الصحراوية ،استصدر فيها حكما قضائيا إعلاميا قطعيا محدد المعالم لا يحتمل الإبداع ولا الاجتهاد ؛ بقي أن نشكره على حمايته لحقوقنا وحرياتنا في الترفيه والغناء والاحتفالية ونسجل له غزارة الانتاج الغنائي ؛والترفيهي وسعداء كل السعادة بالرسالة التأهيلية والتأطيرية النبيلة التي بعثتها الحكومة السياسية مع رسولها لخلفي الى مواطنين ينتظرهم الترا فع من أجل كتابة حل سياسي نهائي عادل متوافق بشأنه.

0 التعليقات

إرسال تعليق