ليتني عامل نظافة...

في يوم|7 غشت الماضي وإنفتاحا من مجموعة شباب من أحياء شارع الخرشي والجديد  وحي ميري على المحيط الإجتماعي  لمدينة كليميم قمنا بحفل إفطار بسيط رفقة فئة يجمع العالم كله على أنها من أرقى الفئات وأنبلها سيما وأنهم يقومون بأعمال لم ولن يقوم بها أي من عظماء التاريخ والحاضر.

هي وجوه نراها كل يوم ,منذ وقت الفجر و أول النهار , حتى آخر اليوم , في الظهر وحر الشمس يلفح الوجوه , فئة بنظر الكثيرين من الناس أنها الدرك الأسفل من المجتمع,لا ترقى للمستوى, يتقززون منهم وهناك من يحتقرهم ,ومنهم من لا يتوانى عن توبيخهم  من الأطفال والكبار.وهناك من الناس من ينظر إليهم بعين الرحمة, يحترمهم ويشفق عليهم ويقدرهم .

إنهم عمال النظافة , الفئة الأكثر رقياً وأدباً من بعض البشر, فلا تراهم يفتعلون المشاكل في الشارع,ولا يلقون مخلفاتهم على قارعة الطريق, ولا يرمون بقايا طعامهم بالقمامة,بالمقابل هناك من ينامون ببيوتهم ,ويتنعمون بقصورهم, ويأكلون مالذ وطاب من خيرات, ويشربون ما تحتار النفس باختيار نوعه, لكنهم بالوقت نفسه, لا يعرفون للمعاناة طريقاً ولا معنى ,ولا يعرفون للحياة من قسوة, ولا دمعة تذرف من أجل لقمة العيش .

تلك الفئة المتعبة المنهكة في هذه الدنيا, التي تستفيق قبيل الفجر,في ساعات الليل ,حتى يعملوا على راحتنا, ينظفون لنا الطريق وأمام منازلنا, وشوارعنا , مقابل دراهم معدودة لا تسمن ولا تغني من جوع .

فئة من البشر قُدّر لها أن تحيا حياة الشقاء ,وليس ذنبهم ما هم عليه من فاقه وفقر وحاجة, فلماذا تلك النظرة القاصرة من البعض تجاههم ,ألا يكفيهم ما هم فيه وما هم عليه؟

أكيد أن العديد منا لو خير بين العمل في هذه المهنة الشريفة وبين " تسناد لحيوط" أكيد أنه سيفضل عالم البطالة  على العمل فيها بحجة أنها لا تليق بمستواه ولأن " الترشة والبلكة" وصلت حدا يستحيل معه حتى رؤية عمال النظافة أو من يسمونهم " بوزبال"فما بالك على العمل معهم.

خلال النصف يوم الذي قضيناه رفقة هذه الفئة الشريفة وقفنا على حجم التضحيات التي يقدمونها في سبيل رؤية المدينة دون أزبال والجميل في الأمر أن جميع العمال الذين تحدثنا معهم أبدوا لنا عن سعادتهم الغامرة في مهنتهم وأنهم فخورون بما يبذلونه من جهود ولعل ما أثار إنتباهي شخيا هو مصادفتي لإثنين من الشباب يعملون في جمع النفايات من حملة شواهد الماستر ،الأول في الرياضيات والثاني في الجغرافيا...وعند سؤالي لأحدهم حول هذه التجربة أجابني بمثل يحمل العديد من المعاني خصوصا للصحراويين قال لي  بإبتسامة خفيفة " كنقضوا بالبلغة حتي يجي الصباط".

جولتنا هذه تضمنت رحلة في أحد شاحنات جمع  النفايات من الحجم الكبير جابت كل من شارع  المسيرة وأباينو،لا أخفيكم أنني كنت رفقة زميل لي في المقعد الأمامي للشاحنة رفقة السائق وننزل أحيانا لإلتقاط " ميكة من الكرفي أو سطل" ورميه في مؤخرة الشاحنة...آنذاك كنت أتمتم في نفسي قائلا " الله يسمح لنا منهم ماذا يجبروا من تامارا".

فمعلوم أن تسيير قطاع النظافة بمدينة كليميم تتكفل به شركة باب الصحراء للبيئة الفرع المحلي للشركة الفرنسية للنظافة sotradema-geo Environnement  منذ 01 أكتوبر 2008 بموجب عقد للتدبير المفوض مدته 15 سنة،و تجربة إعطاء قطاع النظافة للقطاع الخاص تعد الأولى والوحيدة في الصحراء كلها  مما يجعلها نموذجا فريدا يسعى الكل لإنجاحها بعدما أبانت شاحنات البلدية عن عجز وترهل كبيرين في تسييرها .

ختام هذه الزيارة كان قبيل المغرب بإفطار جماعي كشف لنا الوجه الأخر لهؤلاء العمل و"الكابرانات" حيث بعدما لاحظنا الجدية والمثابرة في تنفيذ الأشغال جاء الدور لرؤية الطيبوبة السرور والتضامن في أوجههم جميعا والتلاحم يطبع علاقاتهم الإجتماعية الراقية.

في الختام  وكشهادة حق يجب أن تقال في حق عمال النظافة, لولا أن سخرهم الله تعالى لامتلأت البلاد بالأمراض والأوبئة, وهلك الناس واستحالت الحياة , فلهم منا عظيم التقدير والامتنان .

سؤال نوجهه لأنفسناعلنا نجد إجابة مقنعة: ماذا لو امتنع عمال النظافة عن العمل ثلاثة أيام ؟ ماذا سيحصل؟ دعونا نتخيل إن استطعنا أن نتخيل .

وأختم كلامي لأقول لهم : يا من قُـدّر لكم خدمة الناس ,فضلكم علينا كبير ,وأجركم عند الله أكبر, يا من تعملون بصمت ,ولا يشعر بمعاناتكم أحد, أو بمرضكم أحد, وان غبتم لا يتفقدكم أحد ,فاللهم إحفظكم , فأنتم للغنى معنى وأنتم للكرامة رمز , وأنتم العطاء كله." يا مولنا لا جبرتوا كشرة في الدنيا والآخرة"

مع تحيات مراسل كليميم

ملحوظة: للأمانة فقط الصور المرفقة بالمقال هي  مقتبسة من صفحة   الأخ حفيظ أفرياد وله منا جزيل الشكر