هي أيام إذن وترتدي مدينة آسا ثوب الإحتفال الذي دأبت على تنظيمه أيام ذكرى المولد النبوي الشريف من كل سنة، وهذا التقليد السنوي أضحى كسياسة تمولها السلطات بسخاء منقطع النظير كبديل لها عن التعامل مباشرة مع الشعب ..لذا إهتدت الدولة إلى هكذا أساليب بديلة عن السياسات المركزية التي تغطي الفساد المستشري هنا وهناك.
وبعيدا عن إتهامنا بأحكام مسبقة بهذا الخصوص،دعونا نفتح فسحة للنقاش وطرح إشكاليات عدة تروم فهم الجدوى الاقتصادية و السياسية والتنموية من هذا الموسم السنوي وإنعكاسه على واقع الساكنة المحلية.ولنعتمد في ذلك على منطق الأمور بعيدا عن كل تحجر أو عصبية...
بداية_وكي أكون منصفا مع التاريخ_ شكل موسم آسا سابقا تجمعا منقطع النظير تلتئم فيه جل مكونات القبيلة لتدارس الهموم والمشاكل المشتركة والبحث عن حلول لها، ثم النقاش عن العلاقة مع القبائل الأخرى كيفية التعامل معها إظافة إلى دور مجلس" أيت الأربعين" كآلية تقريرية وتنفيذية شبيهة ببرلمان مصغر. زد على ذلك الحركية الرائدة للتجارة المحلية ككل..فكان الموسم بحق نقطة مضيئة تنير درب القبيلة على صعيد شتى المجالات.
لكن،ومع دخول " السياسة" لمدينة آسا إنقلب هذا الموسم رأسا على عقب..فتحول إلى فرصة سانحة للبعض لتصفية الحسابات،والإغتناء منه بشتى الطرق،ناهيك عن بعض الممارسات المنافية التي لا يتسع المقام لذكرها.
ولتبسيط الأمر أكثر، سنركز على صورة آسا قبل حلول موعد الموسم،ثم نعرج على الوضع أثناء وبعد إنتهائه.
1.آسا في الأيام العادية:
ركود، خواء، ملل، هي الصورة التي تكون فيها آسا قبل بدء فعاليات الموسم،فيبدو لك الأمر وكأنك في مدينة هجرها أهلها..لا وجود لأي شئ قد ينسيك رتابة الحياة..لا مرافق حيوية جيدة..لا تنمية بادية للعيان..حتى أنك تتسائل مع نفسك إلى متى سيستمر الوضع على ما عليه...
2.مرحبا بموسم آسا:
منذ اليوم الأول لإفتتاح فعاليات الموسم يبدو لك الأمر شبيها بخلية نحل، تزدحم فيها الناس حتى منتصف كل ليلة..حالة من السرور والحبور تنتاب كل من في المكان..لم لا والأمر لن يتكرر كل حين؟
لكن،رغم هذا الإستبشار منقطع النظير..لم يجرؤ أحد منا يوما على التفكير في أسئلة قد تتناثر على عتبات هذا الموسم:
ما القيمة الإظافية التي حققها الموسم على مر النسخ السابقة؟
وإذا إفترضنا جدلا إلغاء هذا الإحتفال السنوي، هل يسوء الأمر في آسا عما عليه الآن؟
تساؤلات تبدو مشروعة ومنطقية،رغم أن الكثير منا لن يتقبل آسا بدون موسمها السنوي !!!!!
شخصيا لاحظت أن الكثيرين من هواة التاريخ يستغلون فرصة الموسم للتباهي بغنى الماضي دون أن يكلفون أنفسهم عناء التفكير في بؤس الحاضر..وهذا ما يفسر نقص إشعاعه العميق لاسيما مع الملاحظات والمؤاخذات العديدة التي يتم التطرق اليها كل عام دون أن يؤخذ بها أو يتم الإنتباه اليها، حتى صار البعض ينظر إلى الموسم على انه مجرد تجمع للتعارف واللقاء بين الفنانين والمدعوين الذين يجيئون من اماكن مختلفة ليس إلا، او تظاهرة لممارسة نوع من الطقوس الليلية التي عن آسا في الأيام العادية و التي من أهمها السهر مع الرفاق والرفيقات و فرصة لمشاهدة من لم نشاهده من الاصدقاء،وحتى الجانب الديني للموسم تم إفراغه من محتواه وأصبح مجرد نشاط اجتماعي للخروج من الروتين اليومي، فنذهب وكأننا في سفر ترفيهي نأكل طعاما مختلفا عما في بيوتنا، وننام على سرير مختلف، وكذلك نرى اشخاصا مختلفين، ونادرا ما تقع عينك او تسمع أذنك أشياء مما تخص واقع الإقليم الحالي في جوانب وثنايا الموسم، وحتى الجلسات الرسمية لا يحضرها من المدعوين اكثر من الثلث، لأن الكثيرين لا يحضرون حتى قرب إنتهاء اللقاء الثقافي أو الندوة لإنتهاز فرصة القيام بأشياء وكأنها تحدث لاول مرة معهم أو كانوا محرومين منها وانتظروا ذكرى المولد النبوي ليمارسوها، مثلا.. يشربون كأنهم لم يشربوا منذ عام، ويسهرون وكأنهم لم يسهروا منذ ألف عام، ويتسوقون وكأنهم لم يروا سوقا من قبل، وبالتالي يتعاملون مع الموسم وكأنه "فرصة العمر".
وعند الحديث عن المجال التنظيمي للموسم تجد أن المدعوين الرسميين يكونون بطريقة انتقائية مخجلة وبئيسة، فهناك مثقفون يحرمون من الحضور، فيما هنالك آخرون يحضرون باستمرار على مدار السنة والدورات، كذلك بالنسبة لقصائد الشعرالتي تلقى ليست كلها على مستوى يليق بمثل هذا التجمع الشعري السنوي التاريخي، وهناك قصائد مكررة وشعراء ليسوا على المستوى المطلوب بسبب العلاقات الشخصية التي تكون احيانا على حساب الابداع والمبدعين، بالإظافة إلى فنانين ألفوا القدوم لآسا ثلاث مرات متتالية...
3.إلى اللقاء في الموسم القادم:
مع إنتهاء فعاليات الموسم يحزم الغرباء حقائبهم ،تأفل شمس المعارض، تميط آسا اللثام عن وجهها المألوف وتعود الحالة إلى ما كانت عليه، ويعود الناس للسؤال عن خبزهم اليومي، «حتى مجئ الموسم القادم ». ويتضح بالتالي أن الموسم لم يكن سوىً "بروباغاندا" إعلامية فقط.. ولم يكن لها أدنى إنعكاس إيجابي على المنطقة وأهلها بعدما تم طبعا صرف الملايين من أموال دافعي الضرائب.
لم نشأ الحديث عن الأمور بقتامة أكثر من هذه،لكن الواقع يفرض إعادة النظر في مجموعة من الإختلالات تشوب واقعنا اليوم والحيثيات التي ترافق الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.
فالرهان يفرض على الكل ان ينهض بمسؤولياته ..ولما الاستعانة بلجان واعية لا تكون مهمتها مجرد توزيع الدعوات وإعداد الاكل والسكن،بل وضع مخطط يروم الإستفادة من الموسم بشكل يحقق تنمية على أرض الواقع لهذه المنطقة الغالية على قلوبنا.
مجرد رأي

0 التعليقات

إرسال تعليق