ككل واحد منا، كنت في صغري أفرح
ورفاقي بقدوم رمضان لأسباب متعددة , ولكن كان أهمها بالنسبة لنا هو ماكنا
نسمعه بأن " الجنون وبوعو" تكون مقيدة فى هذا الشهر , فكنا نرتاد
كل الأماكن ليلا ونهارا بلا خوف فنحن على يقين من أن العفاريت " مكتفة"...
..طبعا هنا أقصد عفاريت الجن وليس تلك التي يتحدث عنها السي بنكيران., وكنا نتمنى
أن تكون السنة كلها رمضان لهذا السبب بالذات , حيث كانت قصص العفاريت وحكايات
الشياطين تملأ عقولنا فى هذا الوقت وتنغص علينا حياتنا , فإذا انتهى رمضان عادت
المخاوف والمحاذير مرة أخرى تملأ عقولنا وقلوبنا الصغيرة .
لكن وبعد أن كبرنا ونضجت عقولنا شيئا ما إكتشفنا أنا هناك
موضوعا شائكا يصاحب موضوع رؤية الهلال سواء في تحديد يوم دخول رمضان أو عيد الفطر
أو عيد الأضحى وأعتقد أن
الكثيرين يشاركونني هذا الرأي خصوصا إذا كان هذا الموضوع يتعلق بأحد أركان الإسلام الخمسة ( صوم
رمضان ) وطريقة رؤية هلاله الذي يجب أن تكون الوسائل التكنولوجية الحديثة قد حسمت
أمره منذ سنوات عديدة ووضعت حدا لآراء واجتهادات فقهاء كانوا لا يمتلكون أية وسيلة
للاتصال سوى استخدام " عيونهم" التي ربما تنقل خبرا من مكان معين ولا
تستطيع إيصاله إلى الوجهة المطلوبة إلا بعد أسابيع أو سنوات حسب طول المسافة أو
قصرها بعكس الوسائل المتطورة الموجودة حاليا والتي بإمكانها نقل الخبر وتعميمه على
سكان المعمورة في أقل من دقيقة .
قد يبدو منطقيا أن حساب بداية رمضان أو نهايته بالوسائل الفلكية
أكثر دقة وانضباطا , ولكنه من جانب آخر يحرمنا من أشياء أحسبها مهمة من الناحية
النفسية والروحية , فانتظار رؤية الهلال بالعين المجردة مع احتمالات ظهوره أو عدم
ظهوره يعطى فرصة للتطلع العام نحو السماء , وإعادة الإرتباط بها بعد طول نسيان
وطول انغماس فى النظر إلى الأرض , كما أن لمفاجأة الرؤية بهجتها وطعمها وحلاوتها .
كما كان آبائنا في سنوات خلت بمجرد ترقب دخول إحدى الشهور يصعدون السطوح ويطالعون السماء بحثا عن قمر قد يكون او لا يكون..وكانوا يحدثوننا على أن
أجدادهم كانوا يداومون على الصعود إلى المرتفعات والجبال لرؤية الهلال بأنفسهم ,
وهو أمر متاح لكل الناس لو صدقت نيتهم وعلت همتهم , وأن لا يكتفوا بمعرفة بداية
رمضان فلكيا أو تليفزيونيا . وربما لهذا السبب (وغيره) ما زالت بعض الدول تصر على
الرؤية بالعين المجردة للهلال وتشجع مواطنيها على محاولة الرؤية وتخصص جوائز لمن
يرى الهلال ويدل على وجوده .
وأنا أطالع اختلاف الدول الإسلامية والعربية خصوصا حول رؤية
هلال رمضان وموعد عيد الفطروكأننا ما زلنا نعيش في القرون الغابرة التي لم تتح
لفقهائها وسائل الاتصال ووسائل كشف الرؤية المتاحة لنا اليوم ، فمنذ أن أدركنا ما
يجري من حولنا والدول العربية تصوم وتفطر متفرقة كل حسب رؤيته مما جعل فضولي
يدفعني للتساؤل دوما إلى السؤال التالي : علاش كنصوموا في نهار واحد مع بعض الدول
وعند العيد شي كيسبق الثاني؟
هل يعقل أن تكون للمملكة العربية السعودية رؤيتها الخاصة بهلال رمضان, ولليبيا رؤية أخرى والمملكة المغربية " تدير عين ميكة ما شافت لا هلال لا مريخ" ولموريتانيا رؤيتها الخاصة أيظا ،مع أننا أحيانا نسبق أو نعقب صوم أو عيد بعض البلدان رغم أنه لا فرق بيننا معهم بالتوقيت سوى ساعة واحدة.
هل يعقل أن تكون للمملكة العربية السعودية رؤيتها الخاصة بهلال رمضان, ولليبيا رؤية أخرى والمملكة المغربية " تدير عين ميكة ما شافت لا هلال لا مريخ" ولموريتانيا رؤيتها الخاصة أيظا ،مع أننا أحيانا نسبق أو نعقب صوم أو عيد بعض البلدان رغم أنه لا فرق بيننا معهم بالتوقيت سوى ساعة واحدة.
وأذكر أنني شاهدت بأم عيني منذ سنين خلت جيرانا لنا يصومون يوم
عيد الأضحى -وصومه محرم بإجماع العلماء - ويقولون أنه يوم عرفة... مع أنهم شاهدوا
على شاشات التلفاز حجاج بيت الله الحرام وقد وقفوا بعرفة في اليوم السابق مما جعلني
أسأل "فقيه الجامع"عن تعريف الفقهاء ليوم عرفة، وهل يوم عرفة زمان ومكان
أم هو زمان فقط يمكن الاختلاف فيه حسب رغبة كل بلد ؟ وهل هناك في الصحراء مكان
يسمى عرفة يقف فيه الحجاج وبالتالي يمكن استيعاب الاختلاف؟ أم أن عرفة تطلق على
المكان الذي يعرفه الجميع قرب مكة ويقف الحاج على صعيده في مساحة جغرافية محدودة ؟
فكان الجواب دائما جاهزا : إننا لا نثق إلا في رؤيتنا وتقديرنا للشهور.
لما ذا يقضي علماؤنا الأجلاء جل وقتهم في كتابة وإصدار فائض من
الفتاوى وتصديرها للسوق ولا يجلسون مرة واحدة على مستوى علماء المسلمين لإيجاد
مخرج وصياغة فتوى بالإجماع تلزم العالم الإسلامي بتوحيد الرؤية بدلا من انشغالهم
بمعالجة مواضيع ثانوية ، أو تافهة في بعض الأحيان, كإنشغالهم بمشروعية إرضاع
المرأة للكبير أو جواز إستعمال المرأة للجزر في قضاء شهوتها الجنسية إلى غير ذلك من قائمة الفتاوى التي تطول والتي
أصبحت تطلق جزافا ودون طلب ,مما جعل الفقهاء وكأنهم " بائعي فياجرا".
في إعتقادي أن
الخطير في مسألة التحقق من رؤية هلال رمضان او تمامه هو ليلة القدر ،حيث أخبرنا
الرسول أنها تكون في الأيام الفردية من العشر الأواخر من رمضان أي إما 21 أو 23 أو
25 أو 27 أو 29 من رمضان.
لكن السؤال المطروح ماذا إن اخطئنا في تقدير بداية رمضان حتما سنقع في خطأ جسيم هو ان الأيام التي نعتقد أنها فردية
هي ستكون زوجية وهل أن ليلة القدر هذه تكون واحدة في جميع الدول في حال
اختلاف الرؤية من بلد لبلد واختلاف الإعلان كذلك؟..
كيف يعقل أن يكون لدى المسلمين أكثر من تقويم وأكثر من دخول للشهر... ليلة القدر ليلة واحدة فهل يعقل أن يكون يوم السبت في السعودية مثلاً هو أول رمضان والأحد في مصر والاثنين في الجزائر مثلاً؟..".
كيف يعقل أن يكون لدى المسلمين أكثر من تقويم وأكثر من دخول للشهر... ليلة القدر ليلة واحدة فهل يعقل أن يكون يوم السبت في السعودية مثلاً هو أول رمضان والأحد في مصر والاثنين في الجزائر مثلاً؟..".
ألم يكفنا هذا الكم من
الخلاف والاختلاف على جميع الأصعدة السياسية والإقتصادية والحضارية وصرنا نبحث عن
كل شيء يمكن لنا أن نختلف فيه بدلا من البحث عن الأمور التي يمكننا أن نتفق عليها
.
إلى متى يظل الخلاف حول رؤية الهلال مستمرا والعالم أصبح يراقب حركة الكواكب البعيدة بمئات السنوات الضوئية بواسطة مناظير وتلسكوبات أرضية... " الناس كاع طلعات للقمر وحنا ما زالين مدابزين غير مع رمضان"
إلى متى يظل الخلاف حول رؤية الهلال مستمرا والعالم أصبح يراقب حركة الكواكب البعيدة بمئات السنوات الضوئية بواسطة مناظير وتلسكوبات أرضية... " الناس كاع طلعات للقمر وحنا ما زالين مدابزين غير مع رمضان"
حقا إن وضع العرب والمسلمين
اليوم خرج عن حيز المنطوق والمفهوم والمعقول.لكن في هذه الظروف أتعامل دوما بما كان يردده أبي
عند هذه الحالات:
"دبشهم على
ظهورهم،إيلا كالوا لنا صوموا لاهي نصوموا ،كالو لنا عيدوا لا هي نعيدو"
على العموم أقول لكم احلى دعاء نسمعه من "الشيب" في الأعياد
مبارك رمضان ..الله يغفر
الذنوب ويستر العيوب
0 التعليقات
إرسال تعليق