في كل مرة يتم الاعتداء فيها على الإسلام أو رموزه، تتعالى الأصوات بمطالبة حكومات الدولة المعتدية بالاعتذار (حتى وإن صدر الانتهاك من أشخاص مناهضين لحكومات تلك الدول) ودعوة المسلمين إلى مقاطعة منتوجاتها.
آخر دعوة للمقاطعة تم الترويج لها دعى أصحابها إلى الكف
عن إستعمال محرك البحث العالمي جوجل ومشغل الملفات الوسائطية اليوتوب وذلك ليومين
متتاليين نصرة للرسول محمد عليه الصلاة وأزكى السلام بعد الحملة المغرضة التي تعرض
لها في فيلم أجنبي ورسوم كاريكاتورية مسيئة له وللإسلام عامة.
لن
أتحدث في هذه الأسطر عن دور المقاطعة كوسيلة ضغط إن أحسن استعمالها بشروط،
ومساوئها إن سيء التخطيط لها، لكني سأحاول أن أوضح خطورة هذه العملية إن انقلب
السحر على الساحرويتضح لنا بالتالي اننا " فيسدين"
أبدأ
كعادتي بطرح سؤال : ماذا
لو قرر الغرب، بسبب كثرة مطالباتنا بمقاطعة منتجاته، مقاطعتنا؟
ولا أقصد بمقاطعته عدم استعمال منتجاتنا (إذا كنا أصلا نصنع شيئا) بل أن يرفض مدنا
بما نستورده منه. لا طائرات، لا قطارات، لا هواتف محمولة، لا حواسيب ولا ثلاجات…
الخ (لم
أذكر ماطيشة على اعتبار أن المغرب ولله الحمد يحقق إكتفاءا كبيرا من هذه المادة
" الحيوية") كيف
سيعيش العالم العربي والإسلامي؟؟ طبعا لن أقدم جوابا، ولكل واحد أن يتخيل من الصور
ما شاء.
هذا
السؤال ليس
دعوة للتطبيع أو" لحزارة" للتذلل والخضوع عند قدمي الغرب حتى لا تحرمنا
أمريكا وصديقاتها من خيرات صناعتها، وإنما
دعوة للتعقل والتبصر دوما في علاقتنا مع الدول الغربية التي
بإمكانها أن " تقطع علينا الما والضو" بكبسة زر خفيفة سيما وأن الأنظمة
العربية والإسلامية لم تفكر في النظر في مناهجها التربوية والتعليمية التي
لا تهتم بالمواهب والتخصصات في وقت مبكر، ولا تتقن اختيار التخصص في المراحل
العليا، وسأحاول أن أوضح ذلك عن طريق مثال آمل أن يقرب الصورة أكثر:
خمسون عاما
من الاستقلال ولسان حالنا يصرخ : "مع الاعتذار لنزار قباني"
أنا عاجز
عن "صنع" أية "إبرة"
صرخات قالها
نزار قباني منذ عقود طويلة لكنها ظلت حبيسة أنفسها ولم يستطع صداها تجاوز حدود
غرفة هذا الشاعر الكبير...
أنا هنا لست
متشائما بأن عجزنا عن الصناعة سيطول ويستمر، بل أجزم أحيانا بأنه سيأتي
اليوم الذي نكون فيه ("أصنع" من اليابان وتايوان وكوريا وتايلاند...لكن
في الأحلام طبعا يا معشر المسلمين إن تم الاستمرار على نفس مستويات أنماط الإستهلاك
الفظيعة.
يحز في نفسي -
كمواطن عربي - أن تكون أمتي عاجزة عن صناعة أي شيء، رغم المحاولات
العديدة التي أجهضت في مهدها إبان بزوغ الثورة العربية الكبرى نهاية الأربعينات.
فخلال
الفترة الأخيرة إستنهض العرب هممهم بطريقة معكوسة تماما فتواطئوا عن قصد أو بدون
قصد على الدين الإسلامي الذي يتشدقون الآن بنصرته...على المستوى الخارجي تحالفوا
مع اليهود ضد أوطانهم...فتحوا أحضانهم للغرب كما تفتح دورات المياه للعموم.. وعلى
المستوى الداخلي تفننوا في إبتكار وسائل للقمع والقمع المضاد، تم تسييس وتفخيخ
القضاء، واختلاق أزمات دورية تبعا لأي حاجة أو متغير، إستمر الاحتفاظ بالسجناء دون
محاكمة، وسن اتفاقيات تعاون مذلة مع أعداء الأمة، زد على ذلك توفير غطاء ديني لكل
هذه الممارسات عبر تسخير علماء وفقهاء البلد لكل خطوة قد يقوم بها " ولاة
أمور المسلمين" حتى وإن تسببت في حدوث نزيف كبير من دماء المسلمين الأبرياء وتفاقم
أزمات العطش، والجفاف، والجوع، والمرض، ومحاربة الفقر بالشعارات، ومحاربة الفساد
بالمفسدين، والنهب المنظم من طرف النافذين المدنيين والعسكريين والتعيينات
الجزافية المبنية على القرابة ، وارتباك السياسات الاقتصادية، والاجتماعية،
والأمنية، واستمرار طرد الطلاب من الجامعات والأحياء الجامعية – الحي الجامعي
السويسي وفاس نموذجا-، وعسكرة بعض المؤسسات التعليمية، واستيراد الكلاب والعصي
ومسيلات الدموع وقنابل الصوت، واستنساخ المعارضة لشعارات وتحركات ويافطات وآليات
عمل مستوردة من خارج الحدود خصوصا من دول ما يسمى (زورا وكذبا ) ب"الربيع
العربي"...
بالله
عليكم أليست هذه الامثلة وغيرها كافية بأن تعطينا الإنطباع بأننا بعيدون كل البعد
عن ما وصل إليه الغرب من ديموقراطية داخلية وخارجية عميقة تغنيهم عن كل مؤونة أو
مساعدة؟ وهل المسلمون قادرون على نصرة نبيهم
في حين أنهم " مدابزين غير معا راسهم" ولم يستطيعوا صنع حتى " قجر ديال لوقيد"
وبالعودة لموضوع الفيلم
المسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأنا أتعجب لماذا هذا الإندفاع والإنفعال
الكبير الذي صاحب ردة فعل المسلمين عموما؟ فلا جدال ان رسولنا يستحق منا الغالي
والنفيس بأرواحنا ودمائنا...لكن أليس في الأمر مبالغة نوعا ما؟!!
لفهم الصورة أكثر سنحاول
قلب الصورة شيء ما ليتضح الأمر أكثر: ماذا لو كان أصحاب الفيلم نفسه قد أنتجوا
سيناريو مختلف لهذا الفيلم ووضعوا بدله سيرة الرسول الحقيقية ومجدوا و أعجبوا بهذا
الرسول الأمين !!! هل سنقول بان الفيلم رائع ويستحق
لقب الأوسكار وممثله الرائع سيحضى بجائزة ممثل السنة وأنه يعزز ثقافة الحضارات !!!
كفى إستخفافا بعقولنا،فرسولنا ليس بحاجة لا لتنويه من أحد ولا يضره غيظ من أحد...
كل ما في الأمر أن نصرة النبي تتم بإتباع سنته الحميدة والسير على هديه وليس السهر
في " البيران حتى الصباح"...
في
إعتقادي الشخصي المتواضع ان هذه الأزمة الحالية التي تسبب فيها الفيلم المسيء قد
تكون ثمرة تنسيق اضح وتام بين الولايات المتحدة الامريكية وبعض رؤساء بعض الدول
الإسلامية وذلك لتمهيد الطريق نحو صنع خرائط سياسية جديدة في العالم، لذا يتم هنا
التفكير في مبرر لذلك سيما وأن التاريخ- والتاريخ مححد أساسي لفهم الحاضر كما أقول
دائما- حافل بأمثلة عديدة يبقى أبرزها شاهدا على أن مروحة تبريد صغيرة أو "
نشاشة" كانت كافية لإشعال فتيل حرب كلفت أصحابها نحو المليون ونصف شهيد.
وفي
علم السياسة الدولية هناك مصطلح قلما يتفطن له أحد وهو علم " صناعة
الأزمات" أي أن كل الوسائل تسخر أحيانا لإفتعال أزمة تمهد الطريق لتنفيذ
الإستراتيجيات المفيدة وقد كتبت
صحف أمريكية متخصصة عن صناعة الأزمات أن الغرب يمتلك احتياطي أزمات اقتصادية،
واجتماعية، وأمنية، يكفى لإشعال جميع القارات مجتمعة وفى أقل من خمس ساعات..!!
أعرف أن الآراء التي
أكتبها عادة تثير جدلا كبيرا حول موقفي وموقعي بين أي حدث محلي أو عالمي، وما
أقوله- بثقة تامة- من أن بوصلتي هي المصلحة العليا كيفما كان طعمها حلوا أو مرا،
يفهمها البعض على أنها مجرد (كلمة حق أريد بها باطل) أو العكس.!!...ومع ذلك فأنا
مقتنع بأن الإسلام أسمى وأنبل وأبقى من كل هؤلاء المتجمعين لإشعال النعرات الدينية
والطائفية رغم تشدقهم بشعار تمازج الثقافات وحوار الحضارات.
كانت هذه دعوة مني إلى
التعقل و المشاركة في حلم عربي إسلامي يعمل قلة بجهد من أجل تحقيقه، كل من مجاله،
وينتظرون انضمام آخرين لتسريع الخطى للوصول إلى عالم عربي وإسلامي منتج وليس على
قاعدة " الريح اللي جات تصوكو".
ملحوظة: شخصيا لم انخرط في حملة المقاطعة التي دعي إليها وفي هذه اللحظة التي أحرر فيها المقال كان من الضروري تسخير محرك البحث جوجل للولوج إلى مدونتي الشخصية لدا فألتمس منك العذر على تغريدي " خارج تيار الإجماع الإسلامي"
مع تحيات مراسل كليميم
2 التعليقات
إرسال تعليق