ذات مرة في 2009 بكليميم ترشح أحد بائعي  الفحم " الفاخر" في لائحة مستقلة ضد رئيس المجلس البلدي عبد الوهاب بلفقيه. كانت هذه الإنتخابات أول انتخابات شفافة نسبيا (من الناحية الفنية). وقد بدأ " مول الفاخر" في التجول بالمدينة – خصوصا في أحياء ميري،شارع الخرشي،تيرت- مطلقا خطابا سياسيا جريئا. وبدل من أن يروج لبرنامجه الإنتخابي جعل  خصمه مرشح حزب الإتحاد الإشتراكي عبد الوهاب بلفقيه شخصيا وكان يقول دوما "إذا كان بلفقيه رجلا و يزعم أنه رجل فيلترك السلطة و - طويوطا- وليدخل معي مواجهة رجل لرجل". "على بلفقيه أن يواجههني شخصيا رجلا برجل، بدون رجال أمن أو أسلحة، و من غلبَ أخذ المنصب".
هذا الرجل كان يبدو لنا " مسطي" أو قادما من عصر الفراعنة و الفينيقيين الذين كانوا يحلون خلافاتهم الشخصية بمبارزة قاتلة بين وليي عهدهما. كان يطلق تصريحات كبيرة عليه،والغريب أن بعضا من الناخبين من إقتنع بالفعل أنه مصارع جيد، سيما وأن الشرطة والرئيس كانا على علم بتصريحاته ومع ذلك لم تحرك ساكنا مما اثار الشبهات حلو تحركاته.
على أي، فأن يتصارع الخصمان ومن غلب منهما أخذ الحكم هي فكرة رائعة، بل إنها حلم قديم. و يذكرني بالرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان يعض شفتيه تحسرا من أن مضادات طيرانه لا تصل إلى الطائرات الأميركية التي تقصف العراق،وهنا  خاطب الشعب قائلا: "إنهم أجبن من أن ينزلوا لملاقاتكم كما يفعل الشجعان".
  كان صدام يتمنى أن ينزل شوارزكوف أو كولن باول أرضا ويواجهون جيشه الذي كان يثق كثيرا في قدراته، و كان يسرب أنه من أقوى الجيوش البرية في العالم. وبالفعل فقد قام هذا الجيش بأقوى مقاومة جابهتها أميركا بعد فيتنام إلى أن جاء الزرقاوي وأفسد المقاومة بتحويلها إلى حرب تكفيرية طائفية.
وليس صدام حسين وحده من تحسر على أن التكنولوجيا قضت على اختبارات الشجاعة، ففي القرن الخامس عشر تحسر الشاعر بترارك على الأسلحة النارية التي دخلت إلى أوروبا عن طريق الصين وبكى غضبا من "هذا السلاح اللعين الذي يسمح بقتل كثير من الشجعان الضراغم الجواسر من قبل رجل جبان لا يستطيع في الأحوال العادية أن يجرأ على النظر في وجوههم وجها لوجه."
إن الانتخابات لم تعد وسيلة لحل الصراع على الحكم، حيث إن المغاربة مثلا والذين كانوا يروجون أنهم مختلفين في كل شيئ عن بقية العالم طبقا لمقولة "الإستثناء المغربي"، قد أثبتوا لنا مؤخرا أن الانتخابات لا تحل المشاكل السياسية بالبلاد،فبعد أن كانت وزارة الداخلية تختار من تشاء وتزكي من تشاء،أصبحت الآن رئاسة الحكومة الإسلامية تمارس نفس الأساليب القديمة بتقنيات جديدة لتزكية نفوذها في دواليب الدولة، وهو ماحدث فعلا حيث ولدت حكومة بتركيبة هجينة الذي يفرقها إيديولوجيا أكبر مما يجمعها وأصبحت تضم  أحزاب قديمة مع "نظام قديم" فظهر أشخاص وتجار لا علاقة لهم بالسياسة ولم يسمعهم أحد يناقشون القضايا العامة المهمة  في الخمسين سنة  الماضية. ومن المحتمل أن يحدث نفس الشيئ إذا تم تفعيل قرار إنسحاب أحد أكبر الأحزاب الأخرى من هذه الحكومة.
عموما إن لحظات البأس هي اللحظات التي يستغلها الثعالب الذين باتوا ليلة المواجهات مختبئين في جحورهم ولم يظهروا إلا عندما ماتت الأطراف المتصارعة. أصبح الآن حكمة تقليدية أن الثورة (والثروة أيضا) يصنعها الشجعان ويسرقها الجبناء.
إن النموذج الديمقراطي فشل فشلا ذريعا في التجربة المغربية. ليس هنالك أدّل على ذلك من قعقعة الالفاظ والمصطلحات  التي تفوح من أفواه زعماء الأحزاب   هذه الأيام.
ولكن هذا سيعيد عصر الرجال الأقوياء، والحروب لحسم الصراع على الحكم. ستتم قريبا إعادة التأهيل للرجال الأقوياء. قريبا ستختفى أكذوبة الإسلاميين ليظهر المؤمن من المنافق... كالخيط الأبيض من الأسود.
إن نموذج ابن خلدون واضح في هذا الإطار،الحكم للأقوياء الأصحاء من البدو. ثم لما يصل هؤلاء للحكم يتمدنون ويتقلبون في الدمقس والحرير ثم تلين جلودهم ويذبلون فيأتي أقوياء أصحاء ويقضون عليهم....ابتداء من الآن سيعود عصر المبارزة.
ماذا نمتلك لهذا العصر؟ تقريبا لاشيئ. اختفى المسدس العربي الشهير الذي كان يتحرك بعصبية بين أيادي رجال الثورة وظهر رجال أتت بهم المخابرات و " البنادة"لا يمكن لأي منهم إخافة ذبابة مريضة على حافة ابرة.
طبعا الأمر لم يكن كذلك في القديم القريب. كان المهدي بن بركة وعلي يعتة  فتيان القرى النائية الذين دوخو كبرياء الدولة في عز جبروتها ...وكانوا قادرين على إبكاء أعتى العسكر صلابة في جلسات تحقيق...
وفي الصحراء  حكم رجالات البراري ضدا على الظلم والجبروت. ولولا قوة طائرات النابال الفتاكة لما إنكسر لهم شأن... كانوا رجالا قادمين مباشرة من ملاحم تيرس ،كلتة زمور،واد نون ،رغم أن ثقافتهم لم تكن أفلام رامبو وأساطير طارزان أوعنترة بن شداد. وكانوا يحلون النقاشات الفكرية بالصفعات المصرصرة على الأشداق.
وحتى في الغرب كان الحكام في الفترة الماضية معروفين بالقوة، فقد قتل تيودور روزفلت، الرئيس الأميركي، أسدا بيديه العاريتين وشارك في حرب كان يرمي فيها نفسه في الوغى في كل مرة...
ثم فجأة نُفِخَ في الصور وظهر حكام يرتعدون من ظلالهم وظلال حراسهم من  الذين ترعبهم الكوابيس والبعوض بعد أن وصلوا إلى العرش في ليل مظلم سارقين ثورة ضحى البسطاء فيها بأغلى ما يملكون...دماء زكية



0 التعليقات

إرسال تعليق