"على الحداد أن يعلن مرتين، لحظة الجريمة ولحظة الإعدام...ففي كلتا الحالتين يتم إغتيال العدالة".

هكذا صدحت حنجرة المفكر اليساري الكبير وليد صليبي في توصيف أنيق للمطالبات المنادية بإلغاء عقوبة- أو لنقل- جريمة الإعدام،والتي لازال البعض يتلذذ بالدعوة للإبقاء عليها بعدم كل ما عرفته البشرية من تطور يفترض أنه قد قضى كليا على مثل هذه الدعوات الدموية..
صحيح أن الإعدام وجد للإنتقام من بقايا جرائم قد تكون شنيعة..لكن الحياة  التي يتم الاعتداء عليها بأسماء برّاقة، باسم القانون لا طعم لها هنا.. فنقتل لنمنع القتل، ونظلم لنمنع الظلم، ونعتدي لنمنع الاعتداء... وفي الإعدام، نسرق الحياة ببساطة.. فإذا كان من البديهي أن  يسرق السارقون  ممّا يملكه سواهم ويُعاقَبون في النهاية،فإن  الذين يَعدمون، فيسرقون ما يملكه الله. الحياة...
ما يدعونا للكتابة والدعوة لإلغاء جريمة - ولو أصر البعض على أنها عقوبة- الإعدام،هو محاولة منح بصيص  أمل  لأشخاص قد يكونون عليلين بحاجة للعلاج، أو أبرياء قنصتهم العدالة عن خطأ، أو أشخاصاً حسبناهم لفترة خونة وإذا بهم أبطال، أو أفعالاً حسبناها أفظع الجرائم فإذا بنا نعتبرها بعد حين واقعة أقل من عادية...طبعا مع تطور الزمن. 
لازال يحفظ التاريخ إحدى أشهر الإعدامات إبان الثورة الرومانية التي أطاحت بالديكتاتور " تشاوشسكو". ورغم كل الإجرام والتعسّف اللذين سادا عهده، إلا أن من يملك ذرة إنسانية قد بهر وصُدم  بعملية الإعدام التي نُفِّذت به وبزوجته العجوز وأصبحا ضحيتين في لحظة..بعدما كانا في نظر العالم أكبر جلادين.. وكيف لا نتعاطف، ونحن نرى عجوزين أعزلين يواجهان فريق إعدام من الجيش مدججاً بالسلاح! وكيف لا نُصدم بعد أن عرفنا أن جثة تشاوشسكو وُجد فيها أكثر من 100 رصاصة! يصيح أحد الكتاب..
إن الإعدام جريمة بحقنا نحن الاحياء قبل ان تكون بحق من طالته الجريمة. انها دلالة ومقياس على انعدام احترام النفس والذات الانسانية.
 ان الدول المتبنية لفكرة الإعدام هذه، ولكي تضفي طابعاً من "القانونية" و"العدل القضائي على جريمة قتل النفس هذه، تسميها "عقوبة الاعدام" وتشيعه في اذهان البشر كانه شيء طبيعي وعادي. قد يقول قائل بأن الإعدام مثلا هو عقاب طبيعي لمن إرتكب جريمة قتل مثلا..رغم  انهما (اي القتل والاعدام) لايقفان على قدم المساواة ولايمكن النظر لهما كأمر واحد. ان "عقوبة الاعدام" لهي ابشع بمئات المرات من القتل. انه قتل مع سبق الاصرار والترصد، قتل وضعت الدولة له ساعة  محددة، في اليوم الفلاني وفي الساعة الفلانية وبالطريقة الفلانية. تقوم بذلك رغم ما تعلمه، وبادراك تام، لما سيخلق من اسى وحزن لاطفاله، لاحبائه وللاخرين، بادراك تام لهول مشاعر واحاسيس الضحية  العصية على الوصف. انها تقتل انسان عاجز تماماً عن عمل اي شيء. اذ بوسع القتيل ان يقاوم، يدافع عن نفسه، يهرب، يستنجد باحد ما، يصرخ، يلحق نوع من الضرر الجسدي بالمعتدي، يترك اثرا ما بوسع الدولة ان تجد اثر تتعقب على اساسه المجرم، بيد ان من يعاقب بالاعدام عاجز عن القيام باي من هذه الامور الاولية والبسيطة لانقاذ حياته. على الاقل ان القتيل، ولحين موته، لديه امل ما ان شخص ما، يد ما، سواء بالصدفة ام بغيرها، قد تنقذه وتنهي هذا الكابوس المؤرق. بيد ان "المعدوم" لايساوره حتى هذا الامل البسيط! ان المعدوم حتى عاجز عن الامل بان تراود الدولة مشاعر تأنيب الضمير والندم.
قد يستغرب قائل أيضل : الا ينال المرء جزاء ما يقوم به من اعمال سواء اكانت سلباً ام ايجاباً؟!"، "ومن يرد حق الضحية ان لم ترده الدولة؟!" "وهل نترك القاتل يسرح ويمرح بعد ارتكابه جريمة قتل؟!".
تساؤل قد يكون منطقيا ولو بعد حين..فطرح المسالة بهذا الشكل لايتعدى سوى خداع البشر.
 جولة بسيطة بأبصارنا في هذا العالم، نرى تلك الحقيقة الجلية ان نسبة ضئيلة جدا من الذين يطالهم الاعدام هم من القتلة في بلدان كثيرة من العالم. فجل الإحصائيات تؤكد أن جل  الذين طالتهم هذه الجريمة - الإعدام-  هم الشيوعيون، التحرريون، قادة النقابات، المدافعون عن الحقوق والحريات السياسية والمدنية. على امتداد تاريخ البشرية، كان التحرريون هم اول ضحايا عمليات القتل، كان المنادون بتحسين ظروف العمال والزنوج والنساء، الكتاب والمثقفون والمفكرون هم اول ضحايا الاعدام..
في الأخير نتسائل : أي فعل قتل يُطلَق عليه عن سبق إصرار وترصّد، عن عمد، عن تصميم مسبق، عن إعداد العدّة بهدوء وتفكير بصورة هادية دون أي حديث أو مشادة !؟ إنها الصفات التي تنطبق تماماً على جريمة القتل الكبرى: الإعدام. فالإعدام يدبّر بهدوء وبتخطيط، "هو الجريمة النموذجية التي تنطبق عليها صفة: عن سابق تصور وتصميم.. على حدّ قول د. صلَيبي.
نذكر هنا بأننا لسنا دعاة الإفلات من العقاب لكننا ندعو لتطبيق عقوبات بديلة نجح تطبيقها في العديد من الدول..وهو ما سيكون عنوان مقالنا المقبل



0 التعليقات

إرسال تعليق