كنتُ أعتقد أن الديك لا يصيح من فراغ، وأنه يعرف وقت صلاة الفجر بالفطرة، ولكن خاب ظنّي بعد تجربة مررتُ بها مع أحد الديوك الغبية، الذي لديه إحتمالان إثنان إما أن بوصلته  قد اختلّت، و إما  أنه ديك أحمق.! ولهذا قصة.
أهلنا في القرى والبوادي، قبل أن تدخل عليهم الساعات وأجهزة الراديو والهواتف النقالة، كان الزمن عندهم يقاس بالصلوات الخمس، وهذا يتعتبر تقسيماً سليماً للزمن في تلك الأيام، فـ القياس يكون على سبيل المثال: بعد العصر، قبل العشاء، بين المغرب والعشاء، وهكذا .. وهذا يعود إلى أنهم لا يحتاجون إلى حساب الساعات والدقائق، والزمن عندهم بضوابط معقولة
أما الآن، ونحن في المُدن، أحتار كثيراً في الزمن الذي لا تكاد تشعر بمروره، وصار الناس أكثر انشغالاً، حتى أنك تحتار كيف يجدون الزمن الكافي للتنفس، ولولا أنه يتم رغماً عنهم لتركوه.!
نعود إلى القرية، التي لا يحتاج أهلها إلى قياس الزمن إلاّ لمعرفة مواقيت الصلاة، وهذه نفسها يعرفونها بالخبرة، أو بصياح الديوك، وهذا الأسلوب يستخدم لصلاة الفجر غالباً، لأن صياح الديك في منتصف النهار غير مضمون، وأحياناً في صلاة الفجر ذاتها تختلط عليه الأمور.!
حصلت لي بالامس قصة طريفة شيئا ما حيث دعتني الظروف للمبيت في قرية خارج المدار الحضري لمدينة الدار البيضاء تسمى **سيدي علال ** لإنجاز بحث ميداني حول العرف القانوني المنتشر في البوادي المغربية..هذه القرية بها كمية هائلة من الديوك الأصلية ذات الحناجر القوية، وفي وقت ما من الليل، إذا به تصيح كل ديوك القرية في آن واحد، وكان هنالك ثمة ديك يعتلي الحائط الذي أنام بقربه، كان يصيح بأعلى صوته، وكأنه يتقاضى راتباً في صياحه هذا، أو كأن هذا العمل وقع له في عطاء، استيقظت من نومي فزعاً، وقلت في سرّي:
- ما الذي يحدث؟ ما بال هذه الديوك، أتمنى لو هجم عليها ثعلب مكّار فأراحني منها ومن صياحها.!!
نظرت إلى ساعة هاتفي فوجدتها الثانية صباحاً، أي أنه ليس وقت الفجر، اللهم إلاّ إذا كانت هذه ديوك مُخصصة لقيام الليل، وحتى القيام يكون في الثلث الأخير من الليل، أي بعد الثالثة صباحاً على أقل تقدير، ألقيت نظرة على الجدار ورأيت ذلك الديك المزعج لا زال يصيح، رميته بعدد من " النعايل" فلم يسكت، وأخيراً اضطررت أن أقوم بنفسي لخنقه، ولكنه طار وأعتلى أعلى مكان في البيت البسيط، بالطبع تركته، إذ ليس من الحكمة مطاردة  ديك في الثانية صباحاً، وصار يمارس هوايته في الصياح حتى الصباح، وأنا بالطبع جلستُ في وسط السرير أعدّ الدقائق والثواني بانتظار الفجر، إذ أنني من النوع الذي لا يستطيع النوم تحت  صوت ولو كان خفيفا فما بالك بديك يصيح بأعلى صوته.!
أشرقت شمس الصباح، واستقبلتُ صديقي  صاحب البيت بعينين حمراوين من السهر، ورأسٌ أنهكه الصداع من الصياح، وقبل أن يسألني ما الذي حلّ بي قلت له:
- والله يا صديقي .. لو أن هذا الديك في بيتنا لأدخلته الفرن قبل أن يقوم من مقامه.!  فضحك ضحكا عاليا حتى ظننت اني قلت له نكتة من آخر نكت عادل إمام ....قبل أن يقول لي "  يا ودي على ولد المدينة...راه هاذشي عادي هنا واخا يصيحو عندنا حتى الصباح ما كاين اللي كيسمعهم.."
.إستغربت من إجابته فعرفت أن الخلل ليس في الديك وصياحه بل  الخلل لدي..إذ أن المدينة وأجوائها لم تترك لنا مجالا للصبر على أي شيئ ...ولو كان صوت ديك.


0 التعليقات

إرسال تعليق