حدث معي في أحد الأيام أنني كنت في دردشة خفيفة على صفحتي
الشخصية في الفيسبوك ..حيث أرسلت لي إحدى الفتيات
-أرسلت لي- طلبا لقبول الصداقة الافتراضية ..المهم قبلت الدعوة و أدرجتها في الصفحة الخاصة بالاصدقاء
وبعد دقائق دخلت للبروفايل وبدأت تسألني
عن إسمي ومستواي الدراسي والمدينة التي أقطن فيها ولو أن إسمي يدل على مدينتي **مراسل
كليميم** ...المهم كنت أجيب على هذه الاسئلة عن حسن نية ولم أتصور شيئا آخر..فبادرت
أنا الى طرح نفس الاسئلة عليها في إطار التعارف المشترك العادي في مثل هكذا
مناسبات ..وبادرت هي أيظا للإجابة عليها بكل بداهة وسرعة...
إلى هنا تبدو الإمور
عادية..لكن الشي الغير عادي هو الذي سيأتي ..فبعد ان أخذ كل واحد من فكرة عن الآخر
أغلقت صفحتي الشخصية على الفيسبوك ثم إنتقلت لحسابي الشخصي على الإيميل (أوmsn ) وقمت بإدخال عنوانها لدي
وبالمقابل غيرت إسمي في الإيميل من مراسل كليميم الى إسم آخر وإخترت
إفتراضا مقولة شهيرة كإسم بديل ..المهم
هذه الفتاة لم تتفطن الى انني هو من كانت تدردش معه قبل دقائق..فكررت طرح نفس الأسئلة
عليها..إسمها،سنها،مستواها الدراسي ،مدينتها...وهنا لاحظت العجب العجاب : فبينما أخبرتني قبل دقائق أن إسمها حليمة
أجابتني هنا ان إسمها صفاء..و أن سنها 22 سنة وليس 23 التي أخبرتني عنها في
الفيسبوك.و انها تدرس في السنة الثالثة في كلية الحقوق بمراكش وليس الماستر في
مدينة تطوان كما أخبرتني سابقا على
الفيسبوك ... وحتى لو إفترضنا أن هذه الفتاة تكذب لأنها تخاف على نفسها من أن أكون
احد أقربائها كما يفعل الكثيرون فمن الأحسن عدم الدخول قطعا الى الفيسبوك وليس
الكذب بمبرر الحفاظ عل سرية الشخصية..فمن لديه مبادئ صادقة لا يجسدها بالكذب والنفاق أو كمن يزيد الطين بلة.... صراحة تمعنت
في هذا التناقض الصارخ بين هذه المعلومات والتي لا يفصل بينهما أقل من 10 دقائق في
إعطائها وأنا أتذكر قصة رائعة قرأتها
العام الماضي بعنوان **بينيكيو Pinocchio **ذلك الطفل الذي يزداد طول أنفه كلما أطلق كذبة ما، وهي
قصة إيطالية كتبها كارلو
كولودي Carlo Collodi في العام
1833م، وبينوكيو في الأصل كان دمية صنعها نجار محترف، وتمنى ذات يوم أن تصبح
الدمية طفل حقيقي، وسمعته ساحرة أتت بالليل والناس نيام، وحوّلت الدمية إلى طفل
حقيقي، وحتى يُرسّخ الكاتب مفهوم الصدق في شخصية القصة الأساسية، أضاف أهم ما في
القصة، وهو أن الساحرة جعلت أنف بينيكيو يتمدد كلما كذب.!
أتمنى من الله عز وجل أن يخترع أحد العلماء ما اختراعاً يجعل أنوف الناس تطول
إذا كذب أحدهم.! لأن كل مصائبنا الجسام هذه الأيام سببها الكذب والنفاق، الموظفون
ينافقون المدير، المدير يكذب على من هم أعلى منه، الولد يكذب على والديه، الرجل
يكذب على زوجته والعكس صحيح، الكذب ينحدر من الأعلى للأسفل .. ومن تحت إلى فوق ..
الناس تكذب رأسياً وأفقياً .. تكذب رأساً على عقب .. وتكذب عقباً على رأس ..تكذب
مجاملة .. وقصداً .. ومكراً .. وخديعة .. أنت تكذب .. وأنا أكذب.. كل الناس تكذب
.. وأحياناً تتحرى الكذب في كل عبارة تنطقها .. بالطبع لا أقصد كل الناس مطلقاً..
هنالك من رحم ربي ..
يمكنني تصور سيناريو خفيف لهذه الدراما:
يأتي المواطن إلى مكتب المدير المسؤول، ويسأل السكرتيرة:
- هل المدير موجود؟
تجيبه الفتاة وهي منشغلة بتقليم أظافرها، وهذه صارت عادة للسكرتيرات، من
النادر أن تتحدث مع سكرتيرة ولا تجدها مشغولة بأظافرها، بالطبع هنا تجيبه
بالأسطوانة المشروخة إياها:
- المدير في اجتماع.!
في حين أن المدير في هذه اللحظة بالذات موجود، وليس لديه أي اجتماع، بل ويتابع
في إحدى القنوات الفضائية.!
هنا يجد المواطن أن أنف السكرتيرة -من كثرة الأكاذيب- صار طويلاً جداً لدرجة
أنه اصطدم به وكاد أن يرميه أرضاً.!
ومع مرور الزمن لن يكذب أحد على آخر .. سيشيع الصدق .. وستحل الكثير .. الكثير
جداً من المشاكل .. ولكن أنا متأكد تماماً .. إذا اخترعوا اختراعاً كهذا .. سيتم
تقويضه وسحبه من السوق سريعاً .. لأن الناس يا أعزائي من المستحيل أن تعيش بلا كذب
.. فالمكان الوحيد الذي لا يكذب فيه أحد .. هو الجنة.!!
0 التعليقات
إرسال تعليق