كما وعدتكم سابقا،سأحاول في هذا المقال تبسيط مفهوم العلمانية
وعلاقتها بالفكر المبدئي السليم عبر الرد على من يحاولون تشويه هذا النمط من التفكير الحر خصوصا من مشايخ الدم والعنف وبعض محدودي الثقافة ممن ليست لديهم قدرة محترمة على فهم الامور  رغم أن منهم من يعتقد أن لديه مستويات أكاديمية عالية.،وقد عانيت شخصيا من تهمة العلمانية و الإلحاد من كثيرين كلما  نشرت مقالا على مدونتي يتهكم ممارسات من يدعي التدين أكثر من غيره...

في مطلع الأربعينات،ومع ظهور فكرة الإسلام السياسي على يد الغير
 مأسوف عليها جماعة الإخوان المسلمين كان أفرادها آنذاك يلجئون
 إلى حيلة بليدة وغريبة في إستقطاب الناس عبر إشاعة فكرة مضمونها
 بأن قوى التحرر آنذاك هم ديموقراطيون والعياذ بالله،ولأن الجهل بمصطلح الديموقراطية في ذلك الزمن كان مستشريا ،فقد آخذ المستمعون لهذا الوصف  يرددون عبارة - أعوذ بالله،استغفر الله- كلما سمعوا كلمة الديموقراطية ،وكأنهم يصورونها كفرا وإلحادا....

لكننا " عشنا وشفنا" حتى تطورت فكرة الديموقراطية وأصبحت مطلبا شعبيا واصبح من كان ينفر من الديموقراطيين ديموقراطيا أكثر منهم.
نفس الحيلة يكاد يتبعها شيوخ الظلام الآن ،فهم يصورون العلمانية على أنها كفر وإلحاد وفكر شيطاني دخيل وتأثير مقصود من الإمبريالية والصهيونية و " الجنون" ،ولا علاج لها إلا بالقتل لأنها ردة عن الإسلام.

فالحديث يكثر دوما  عن العلمانية، بين مؤيد ومعارض، بينما لا يستطيع أكثر الناس تحديد ما يعنيه المصطلح على وجه الدقة.

جل من أسألهم اليوم عن مفهوم العلمانية يقولون  لي إجابة جاهزة بدون مقدمات" فصل الدين عن الدولة"،وعندما تطلب  منهم توضيح الفكرة أكثر يصبحون " صما بكما فهم لا يفقهون".

 سنحاول في هذه السطور القليلة  أن نقدم شرحا مبسطا لمفهوم العلمانية.
ففصل الدين عن الدولة يعني بشكل واضح ألا  يتدخل السياسيون بالشؤون الدينية، ولا يتدخل رجال الدين بالسياسة.

وهذه الفكرة تطرح إشكالية هامة مفادها  حجم المسافة المفترضة بين كل من الدين من جهة والدولة من جهة في  هذا النظام أو ذاك؟!

فأكثر الدول علمانية تحترم الدين بشكل كبير على عكس ما يروج له شيوخ الفتنة من كون العلمانية تنفي وتهمش الدين من أسس الدولة، وإليكم دلائل على ذلك من بعض الدول الرائدة في العلمانية:

لا يجوز للملك أو ولي العهد البريطاني أن يتزوج من غير البروتستانتية مطلقا في إحترام لتقاليد الكنيسة.

-مالطا دولة علمانية، لكنها تتخذ المسيحية الكاثوليكية دينا لها، ويعتبر الإجهاض محرما بقوة القانون، تماشيا مع العقائد الكاثوليكية.

أما في أستراليا وهي التي لا يختلف على علمانيتها فتوجد العبارة التالية في بداية دستورها:
"بتواضع، نعتمد على نعمة الله المتعالي" - (Humble reliance on the blessing of Almighty God). بالإضافة إلى أن الحكومة الأسترالية تقوم بدعم الصلاة المسيحية في المدارس الحكومية وتمول المدارس الدينية التي تعد القسس الجدد وكذلك رجال الدين.

- وفي أمريكا فمن المعلوم أن للدين أهميته غير الخافية رغم صراحة علمانية الدولة. وما النص على الدولار "بالرب نثق" الا مثال بسيط.

أما على المستوى السياسي ففي أكثر من دولة علمانية ديمقراطية غربية توجد أحزاب دينية عاملة على الساحة السياسية. على سبيل المثال لا الحصر الحزب "الديمقراطي المسيحي" الألماني الحاكم، بزعامة المستشارة انجليلا ميركل ريسة الحكومة.

اما على المستوى الرمزي فهناك ذات الدلالات الدينية غير الخافية في الدول العلماني الديمقراطية الغربية، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ أن أغلب الإعلام لتلك البلدان هي أعلام برموز دينية مسيحية واضحة - الصليب - كعلم بريطانيا العظمى - المملكة المتحدة، الدانمارك، السويد، النرويج، فيلندا، أيسلندا، اليونان، وسويسرا..

بإختصار؛ فأنه لا معيار واضح لكيفية فصل الدين عن الدولة،ليبقى أحد أهم المؤشرات  وأحد أهم هذه الآراء هو اعتماد الديمقراطية معيارا ضمن معايير التحديد. لأنه مع عدم إدخال الديمقراطية كشرط مسبق مع فصل الدين عن الدولة، سيكون من المنطقي حينها إطلاق صفة العلمانية على أنظمة ديكتاتورية .

 ومعنى ذلك أنه لايجوز أن يحكم المجتمع بسلطة مستمدة من خلفية دينية مهما كانت لأنها ستكون منحازة حتما ً وبالتالي قمعية ...فالسلطة يجب أن تكون على مسافة واحدة من الجميع لتكون حامية للحرية وحارسة للديمقراطية وهي بنفس الوقت الحامية لحرية المعتقد على اعتبار أنها من صلب الديمقراطية، لذلك فان دور رجال الدين ينحصر في مجال التوعية والتبشير والالتزام بالمنظومة الأخلاقية ومنع التحريض والزعم باحتكار الحقيقة , وليس معنى ذلك أن العلمانية تقف ضد الدين وليست الحاداً كما يدعي ذلك البعض، كذبا وإفتراء، ولكنها تبرز الوجه الصحيح والسليم للأديان كافة...

 ولنلاحظ معاً أن نسبة لابأس بها من المثقفين العلمانيين في مجتمعاتنا - ومن ضمنها مجتمعنا الصحراوي- وحتى في المجتمعات الأوربية هم من الملتزمين بالواجبات الدينية وهم لايرون أي تناقض بين علمانيتهم وبين الالتزام بالواجب الديني... والمريح في الأمر أنهم الأكثر ميلاً للالتزام بالمنظومة الأخلاقية من خلال فهمهم العلماني لها وهم واضحين جداً في علاقاتهم بالآخر وبالتالي فهم يرون في العلمانية دافعاً أساسياً لنهضة المجتمع وتطوره .

ولكم أن تتسائلوا مع مراسل كليميم:  هل كان من الممكن رؤية المساجد ودور العبادة المختلفة في أوربا لولا أنظمتها وقوانينها النابعة من العلمانية ؟!! ونستغرب أن نسمع من البعض من يتهم العلمانية بالإلحاد والكفر ؟؟ وكأن العلماني المتدين يذهب الى دور العبادة خوفاً منهم أو أن أوربا مجرد مستعمرات خاضعة لهم يفعلون فيها مايشاؤون .

نخلص الى نتيجة  هامة إذن مفادها بأن نعت العلمانية بالإلحاد هو الحاد بعينه، لأن الإلحاد والكفر لغة ً يعني دفن الحقيقة  وإظهار مايخالفها , فإذا كانت العلمانية كما بينا تشتمل على قيم وقواعد الحق , والحقيقة , والحقائق العلمية والإقرار بكل ذلك فان مجرد اتهامها بالكفر والإلحاد أو حتى استبدال تسميتها يصبح المقصود منه التنكر لهذه القيم والقواعد , فما هو البديل الذي يعرضه هؤلاء المكفرون من شيوخ الظلام ؟؟؟ 

وهل بعد ذلك كله يمكن لمن يدفن هذه القيم والقواعد ويتجاوز على الحرية أن يتهم الآخر ( العلماني ) الذي يفهم الدين بوجهه الحقيقي السليم والصحيح بالكفر إذا اتفقنا على معنى الكفر ؟؟!! فهل يعقل أن يقوم الكافر بتكفير الغير .؟؟!!!! 

الجواب واضح وضوح الشمس في منتصف النهار، المتضررون من العلمانية هم ليسوا عامة الناس، وإنما هم رجال الدين والمؤسسة الدينية. فهؤلاء اعتادوا على مر التاريخ أن تكون لهم سلطة وامتيازات في مواجهة العامة، يستمدونها من موقعهم الديني فشرع القساوسة  المسيحيون صكوك الغفران والفقهاء المسلمين أباحوا لنفسهم إصدار فتاوى الكفر والتحريض،لكن في ظل العلمانية يعود رجل الدين إلى دوره وحجمه الطبيعي، وهو التخصص في شؤون العقيدة وتكون ساحته هي المؤسسة الدينية، ويكون الإنسان ـ المواطن، حر في ان يذهب إلى هذه المؤسسة أو لا يذهب، يأخذ برأي رجل الدين أو لا يأخذ به.
وليس للدولة أن تعاقبه أو تحد من حرية لهذا السبب، كما أنه ليس لها أن تكافئه على هذا السلوك. فالدولة محايدة تجاه شؤون العقيدة والاعتقاد.

وقصارى القول إن العلمانية في حقيقتها ليست موجهة ضد الدين، فهي ليست دينا آخر، ولكنها وسيلة لتنظيم العلاقة بين السياسي والديني.

هذه هي العلمانية أو الدولة المدنية التي تهاجم ليل نهار من بعض المغرضين و المنافقين، لأنها تقضي على كل أنواع الإستبداد السياسي والديني، وتمنع المشايخ والكهنة من تخدير عقول الناس، وتخلق مجتمع الحرية والعدالة والمساواة، مما يتعارض مع مصالح هؤلاء ورغباتهم في التسلط والسيطرة وجني الثروات.

اقولها لكن من كل له شك في ذلك...نعم مراسل كليميم علماني وسيبقى كذلك حتى يمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوت.


0 التعليقات

إرسال تعليق