لم أكن أريد العودة إلى موضوع كتبت فيه مرارا وتكرارا، لولا ما لاحظته تحريف مقصود لتداعيات هذا الموضوع على المستوى الأخلاقي.
قضيّة الخمار أو الحجاب يمكن أن نطرحها أوّلا بقطع النّظر عن موقفنا من الحجاب وعلاقتنا به، وبقطع النّظر عن اعتباره فريضة أو عدم اعتباره فريضة. فالطّرح الدّينيّ لمسألة الحجاب أو الخمار يختلف فيه المجتهدون والمؤوّلون، رغم أنّ الذين يعتبرون الحجاب فريضة أكثر بروزا وأشدّ نفوذا من الذين ينطلقون من النّصوص الدّينيّة نفسها ليبيّنوا أنّه ليس فريضة.

بداية ينبغي القول وبكل واقعية بأن لكل امرأة كامل الحق و الحرية في أن ترتدي الحجاب أو الخمار، فهذا حقها باعتبارها إنسانة، لكن ليس من حقها أن تنظر إلى نفسها على أنها أفضل من غير المحجبات، وليس من حقها أن تتفضل عليهن وتعتبر نفسها أكثر تقوى وإيمانا، فالتقوى والإيمان في السلوك وفي القلب،وهما علاقة خاصة بين العبد وربه لا يمكن لأحد الاطلاع عليهما وليس أبدا في المظاهر الخارجية. وليس من حقها أيضا أن تنظر إلى نفسها على أنها حققت مكانة دينية أعلى من غير المحجبات، فهذه المكانة لا يقدرها ويعلمها إلا الله.
 هناك أشكال كثيرة للزي المحتشم غير الحجاب تستطيع المرأة ارتداءه وتكون في غاية الوقار. فشخصيا قابلت في حياتي نساء في غاية الاحتشام والوقار بزي عادي غير الحجاب. لكن النظر إلى الاحتشام والوقار على أنه لا يتوافر إلا بارتداء الحجاب يعد " تهرطيق"،
ومعنى ذلك أن غطاء الرأس أو الوجه هذا لم يكن يوما مسألة إيمان أو تقوى أو تدين أو أي شئ من هذا القبيل،لأن الواقع يكشف أن كثيرا من المومسات يرتدين أيضا الحجاب...
أذكر الآن مشهداً تابعته منذ فترة عن أعضاء في البرلمان الفرنسي يطالبون بقرار منع النقاب في أرجاء فرنسا , كانت كلمات إحدى النائبات الفرنسيات مؤثرة وذات مغزى منطقي كبير حينما قالت: “إن كنا نريد الإقامة في بلد واحد وإيجاد معادلة للتعايش فيه , لابدَّ لنا بدايةً أن يرى كل منا وجه الآخر” .
كانت ظاهرة الحجاب و النقاب أغرب اشارة تعجب لوجودها حتى القرن الواحد والعشرين !!!
أيعقل أن امرأة لا تزال في هذا العصر تحصر نفسها داخل حدود تلك العباءة السوداء وذاك الحجاب الأشبه بالقناع برغم التحرر والإستقلالية اللتان باتت تتمتع المرأة بهما , و برغم تطور الحياة اليومية و عمليتها, أو حتى لا نذهب بعيداً يؤلمني جدا منظر فتيات يرتدين الحجاب أو الخمار في أيام تصل درجتها إلى 50 درجة...لكم أن تتخيلوا حجم الفوار الذي يقبع بين ثنايا شعرها!
لا يخطر ببالي إذا  سألتُ أي فتاة عن سبب تمسكها بالحجاب أو الخمار إلى هذه الدرجة, سوى جوابان:

الأول والذي قد تنسب له هذه الظاهرة فهو قناعة المرأة بنقابها وحجابها على
 أنه تشريع ديني... أنا لن أناقش مدى صحة هذا لا من خلال القرآن ولا
 السنة النبوية لأن كل شيخ ومذهب اليوم بفسرون  القرآن على هواهم...كيف
لا وقد أجاز أحد الفقهاء للمرأة ذات مرة  أن ترضع الرجل الكبير !!!!

فالعورة التي يحددها البعض بالشعر يراها الآخرون متمثلةً بالوجه .. بل و آخرون بالكفين والعينين، ولم نعد بالتالي ندري  لم خلق الله هذه الفتاة المنحوسة في حين يجدر بها تعطيل كافة حواسها و أعضاءها و تكفين نفسها بالسواد كلما فكرت بتجاوز عتبة المنزل .

الجواب الثاني سيكون حتما بأن  المرأة عند ارتداءها الحجاب تغطي مفاتنها وتحمي الرجل من الوقوع في المعصية!!!  وهو تبرير يفترض أن الرجل  حيوان شهواني، رجل يجب تفاديه، فهو لا يستطيع أن يسيطر على غرائزه، والجنس يسيطر على تفكيره، ولذلك لا يمكن الوثوق به بل تجب تغطية عورات المرأة، وهي متعددة، كي نحميه من الشيطان الذي بداخله..."ماكاين شي شيطان قد هادوك مالين الزيف" يصيح أحدهم.

جواب ثالث يضيفه أحد أصدقائي خفيفي الظل، مفاده بأن كثيرا ممن يرتدون الحجاب أو النقاب إرتدوه لسبب واحد قد يبدو عجيبا وهو كون
 شعرهم " مشكرد و حرش" وهو ما  سيصبح مدعاة للسخرية من
" اللي يسوا واللي ما يسوا" وبالتالي وُجد الحجاب كحيلة يتم الركوب عليها لإخفاء " خيبوعة" شعرهن أو وجههن...أكيد أن هذا الإحتمال وارد ،ولو أنني متيقن من أنه سيغضب الكثيرات من الأخوات...رغم وجاهته طبعا.
ختاما،عندما  تتحول فضائلنا و قيم ديننا إلى مظهر مادي يتمثل في لحية أو جلباب قصير أو حجاب أو خمار أو نقاب ، يكون المسلم قد تحول عن الإيمان الصادق إلى الإيمان المنافق ، عبرمحاولة المرأة إعلان نفسها  أرقى من بقية المجتمع الغير منقب أو محجتجب، طالبة من المجتمع الإعتراف بطهارتها و نقاوتها و عفتها و شرفها بسبب هذه القطعة من القماش.
و هو حسبما يرى علماء النفس شكل من أشكال الدفاع عن النفاق  عندما تكون الحقيقة الباطنة غير ماهو ظاهر ، فكل واحد منا يعرف كم من متحجبة " الشيطان يحشم منها".
المرأة أحلى هدية خص بها الله هذه الدنيا.... بلا حجاب أو نقاب أو قطعة قماش،بل بالاخلاق التي جبل عليها المرء بغض النظر عن درجة تدينه أو إيمانه.
أترككم مع كلمات رائعة من قصيدة " الخرافة" للشاعر الكبير نزار قباني:
حين كنا .. في الكتاتيب صغارا
حقنونا .. بسخيف القول ليلا ونهارا
 
درسونا:
"
ركبة المرأة عورة"
"
ضحكة المرأة عورة"
"
صوتها - من خلف ثقب الباب - عورة"
صوروا الجنس لنا...
 غولا .. بأنياب كبيرة.
 يخنق الأطفال.. يقتات العذارى
خوفونا .. من عذاب الله إن نحن عشقنا
 
هددونا .. بالسكاكين إذا نحن حلمنا 
فنشأنا.. كنباتات الصحاري
 
نلعق الملح ، ونستاف الغبارا
يوم كان العلم في أيامنا
 
فلقة تمسك رجلينا وشيخا.. وحصيرا
شوهونا..
شوهوا الإحساس فينا والشعورا 
 فصلوا أجسادنا عنا..
 
عصورا .. وعصورا 
 صوروا الحب لنا .. بابا خطيرا
لو فتحناه.. سقطنا ميتين
فنشأنا ساذجين
وبقينا ساذجين
نحسب المرأة .. شاه أو بعيرا
..
ونرى العالم جنسا وسريرا


0 التعليقات

إرسال تعليق