كلما إقترب شهر رمضان أقرأ بعض المتحمسين لعقاب المفطرين يتقمسون دور المتقين عبر شرح فضائل الصوم، وأنه فرض وركن من أركان الإسلام، وكيف أن من يفطر بصورة علنية إنما هو مفسد ومحرض على المعصية، وأن التحريض على الجريمة لابد من عقابه بصورة رادعة " باش يتزلع"...
لابد  لي بداية أن أوضح أنني لا أناقش إذا ما كان الصوم في الإسلام فريضة أم لا،فهذا الأمر شبه محسوم،لكن أن يتم إستغلال العبارات والأحاديث الدينية لتحويل ما هو غير منطقي إلى شيء منطقي مقنع للآخرين أمر  مرفوض. المنطقي أن المسلمين والصائمين يؤمنون بأهمية الصوم، لا جدال في هذا، ولكن عدم الإيمان بالصوم أو بالدين نفسه ليس جريمة، ومن المنطقي أن نسمح لغير المسلمين أو غير المؤمنين بأن يمارسوا حياتهم الطبيعية طالما لا يتسببون في أي ضرر مادي لغيرهم.
من الجميل مراعاة شعور الآخرين - مسلمين ومسيحيين ويهود وبهائيين و ملحدين - إلخ، لكن ليس هذا هو الخلاف، والذي هو: هل يحق للشرطة أن تعتقل أشخاصاً لمجرد أنهم أفطروا في رمضان بصورة علنية؟ !!!
ومن الرائع أيضا أن يتحلى معظمنا بروح المجاملة  أو التضامن، لكن عدم المجاملة ليست جريمة. من المنطقي أن نتضايق قليلاً ممن يفطرون علانية، لكن هذا ليس مبرراً لأن نحاسبهم أو نعاقبهم. لايجب أن  ننتقص من حقوق المفطرين أو غير المسلمين أو غير الملتزمين أو غير المؤمنين القانونية. هم في النهاية مواطنون متساوون مثل غيرهم في الحقوق والحريات، والواجبات والمسؤوليات.
نعم، أتفهم أن بعضنا قد يتضايق من قيام البعض الآخر بالإفطار بصورة علنية، رغم أن هذا لا يضايقني شخصياً، لكن أن نتضايق شيء، وأن نقبض أو نعتدي على الناس دون جريمة أو ضرر مادي هو شيء آخر.
أن يفترض كل شخص أن دينه هو الصواب وأن الآخرين على خطأ قد يكون مقبولاً، لكن أن يسعى كل منا لتجريم من يختلفون معه في الدين أو في المذهب أو في القناعة أو حتى في درجة الالتزام - أو يفرض عليهم عباداته أو سلوكياته الدينية - فهو شيء غير مقبول – هذه هي الفاشية الدينية..هذا هو القمع الديني بعينه..

هناك معايير ثابتة لحقوق الإنسان في كل مكان، في أمريكا وفي فلسطين وفي الهند وفي " المريخ"، مثلما لن يقبل أحد منا أن تقوم إسرائيل بالقبض على أي شخص لأنه يعمل مثلاً يوم السبت ( علما بأن اليهود يحرمون العمل يوم السبت)..
.إيوا "فضاحة هادي" إسرائيل تحترم حقوق الأقليات أكثر من المسلمين..

هذه المعايير عالمية وعامة لأنها تساوي بين البشر بصرف النظر عن لونهم أو جنسهم أو معتقدهم أو جنسيتهم أو وضعهم المادي أو الاجتماعي - جميع البشر متساوون في التمتع بتلك الحقوق - وهذا هو المعيار الوحيد الذي يضمن أن يعيش المسلم في بريطانيا في اطمئنان ويعيش اللا ديني في العالم الإسلامي أيضاً باطمئنان ودون أن يضطر للاختباء أو مسايرة المجتمع باتباع سلوكيات دينية لا يلزم بها نفسه - وهذا هو حدود الدين - أي دين - ما يلزم الشخص به نفسه طواعية ودون إجبار من أي شخص آخر أو جهة أو سلطة.
 هذه المبادئ المتعارف عليها عالميا أجهز عليها المشرع المغربي من خلال نصوص القانون الجنائي الذي ينص في فصله 222 على ما يلي: «كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة...».
من خلال النص أعلاه، يتبين أن جريمة الإفطار في نهار رمضان دون عذر شرعي هي جريمة ذات طبيعة خاصة، فهي، من جهة، من الجرائم الدينية التي تعد قليلة في التشريع المغربي، وهي، من جهة أخرى، جريمة محدودة في الزمان والمكان والصفة، فلا يمكن تصورها إلا في شهر واحد في السنة، وفي مكان له صفة العمومية، ومن طرف شخص مسلم دون غيره...

هذه مجددا دعوة للتعايش وترك العقاب الإلهي لله وحده، لا أن نتقمس هذا الدور العظيم الجليل نيابة عن الله...من شاء فليومن ومن شاء ليكفر.

0 التعليقات

إرسال تعليق